308. منتهى التدليس
قيل أن قاصاً كان يكثر الحديث عن هرم بن حيّان ،
فاتفق هرم معه مرّة في المسجد وهو يقول : حدثنا هرم بن حيان ، فقال له : أتعرفني ؟
أنا هرم بن حيان ، ما حدثت من هذا بشيء ، قال له القاص : وهذا من عجائبك أيضاً ، إنه
ليصلي معنا في هذا المسجد خمسة عشر رجلاً ، إسم كل رجل منهم هرم بن حيان ، فكيف توهمت
أنه ليس في الدنيا هرم بن حيان غيرك ؟
ويقرب من هذا أنه كان في الرقة قاص يكنى أبا عقيل
يكثر من التحدث عن بني إسرائيل ، فظن به الكذب ، فقال له يوماً الحجاج بن حنتمة : ما
كان اسم بقرة بني إسرائيل ؟ قال : حنتمة ، فقال له رجل من ولد أبي موسى الأشعري : في
أي الكتب وجدت هذا ؟ قال : في كتاب عمرو بن العاص .
المصدر : وفيات الأعيان لإبن خلكان 2/43
309. المهلبي و تقلب الأحوال
كان الحسن بن محمد المهلبي الوزير قبل اتصاله بمعز
الدولة في شدة عظيمة من الضرورة و الضائقة ، و كان قد سافر مرة و لقي في سفره مشقة
صعبة و اشتهى اللحم فلم يقدر عليه ، فقال ارتجالاً :
ألاموت يباع فأشتريه=فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا موت لذيذ الطعم يأتي=يُخلصني من العيش الكريه
إذا أبصرت قبراً من بعيد=وددت لو انني مما يليه
ألا رحم المهيمن نفس حرٍّ=تصدّق بالوفاة على أخيه
وكان معه رفيق يقال له : أبو عبدالله الصوفي ،و قيل
أبو الحسين العسقلاني ، فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما و طبخه و أطعمه ، و تفارقا
. و تنقلت بالمهلبي الأحوال ، و تولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة المذكور ، و ضاقت
الحال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم ، و بلغه وزارة المهلبي ، فقصده و كتب إليه
:
ألا قل للوزير فدته نفسي=مقالة مُذْكر ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضنك عيش=(ألا موت يباع فأشتريه)
فلما وقف عليه تذكر ، وهزته أريحيية الكرم ، فأمر
له بالحال بسبعمائة درهم ، ووقع في رقعته : ((مَّثَلُ
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ
سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن
يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) ثم دعا به فخلع عليه وقلده عملاً يرتفق به .
المصادر : وفيات الاعيان 2/105- المستطرف 1/112
310. رافضي و أباضية
إجتمع السيد اسماعيل
الحميري بامرأة تميمية إباضية فأعجبها و قالت : أريد الزواج بك و نحن على ظهر الطريق
. قال : يكون كنكاح أمِّ خارجة قبل حضور وليٍّ وشهود . فاستضحكت و قالت : ننظر في هذا
، وعلى ذلك فمن أنت ؟ فقال :
إن تسأليني بقومي
تسألي رجلاً=في ذروة العز من أحياء ذي يمن
حولي بها ذو قلاعٍ
في منازلها=و ذو رعينٍ وهمدانٌ و ذي يزن
و الأزد أزد (عُمانَ)
الأكرمون إذا=عدت مآثرهم في سالف الزمن
بانت كريمتهم عني
فدارهم=داري وفي الرحب من أوطانهم وطني
لي منزلان بلحجٍ منزلٌ
وسطٌ=منها ولي منزلٌ للعزّ في عدن
ثم الولاء الذي أرجو
النجاة به=من كَبَّة النار للهادي أبي حسن
فقالت : قد عرفناك
، ولا شيء أعجب من هذا : يمانٍ و تميميّةٌ ، و رافضيٌّ و أباضيّة ، فكيف يجتمعان !
. فقال : بحسن رأيك فيّ تسخو نفسُك ، ولا يذكر أحدُنا سَلَفاً و لا مذهباً . قالت
: أفليس التزويجُ إذا عُلِم انكشف معه المستور ، و ظهرت خفيّات الأمور ! . قال : فأنا
أعرضُ عليك أخرى . قالت : وما هي ؟ قال : المُتعة التي لا يعلم بها أحد . قالت : تلك
أختُ الزِّنا . قال : أعيذك بالله أن تكفري بالقرآن بعد الإيمان ! . قالت : فكيف ؟
قال : قال الله تعالى : ((فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم
بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ)) . فقالت : أستخير الله و أقلدك إن كنت صاحب قياس
. ففعلت . فانصرفت معه و بات معرساً بها . و بلغ أهلها من الخوارج أمرها ، فتوعدوها
بالقتل و قالوا : تزوّجتِ بكافر ! فجحدت ذلك ولم يعلموا بالمتعة . فكانت مدّةً تختلف
إليه على هذه السبيل من المتعة و تواصله حتى افترقا .
المصدر: الأغاني 7/284-285 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق