183. حيلة رجل من (أهل الفضل و العفاف و الصلاح)
لما قدم عثمان بن
حيّان المري المدينة واليا عليها (من قبل الوليد الأموي سنة 93 هـ) ، قال له قوم من
وجوه الناس : إنك قد وليت على كثرة من الفساد ، فإن كنت تريد أن تُصلِح فطهرها من الغناء
والزنا . فصاح في ذلك و أجّل أهلها ثلاثاً يخرجون فيها من المدينة . وكان ابن أبي
عتيق غائباً ، و كان من أهل الفضل و العفاف و الصلاح . فلما كان آخر ليلة من الأجل
قدم فقال : لا أدخل منزلي حتى أدخل على سلامة القس (وهي مغنية) . فدخل عليها ، فقال
: ما دخلت منزلي حتى جئتكم أسلم عليكم . فقالوا : ما أغفلك عن أمرنا ! و أخبروه الخبر
. فقال : اصبروا عليَّ الليلة . فقالوا : نخاف ألا يمكنك شيء و ننكظ . قال : إن خفتم
فأخرجوا في السَّحَر ثم خرج فاستأذن على عثمان بن حيّان فأذن له ، فسلّم عليه ، و ذكر
له غيبته و أنه جاءه ليقضي حقه ثم جزّاه خيراً على ما فعل من إخراج أهل الغناء و الزنا
(طبعاً خداعاً و كذباً منه) ، ثم قال (مخادعاً) : أرجو ألا تكون عملت عملاً هو خير
لك من ذلك . قال عثمان : قد فعلتُ ذلك و أشار به عليّ أصحابك . فقال : قد أصبتَ ، ولكن
ما تقول – أمتع الله بك – في إمرأةٍ كانت هذه صناعتها وكانت تُكرَه على ذلك ثم تركته
و أقبلتْ على الصلاة و الصيام و الخير ، وأتى رسولها إليك تقول : أتوجَّه إليك و أعوذ
بك أن تُخرِجَني من جوار رسول الله (ص) و مسجده ؟ قال : فإنِّي أدعُها لك و لكلامك
. قال ابن أبي عتيق : لا يدعُك الناس ، ولكن تأتيك و تسمع من كلامها و تنظر إليها ،
فإن رأيت أن مثلها ينبغي أن يُترك تركتها ؛ قال : نعم . فجاءه بها و قال لها : اجعلي
معك سُبحةً و تخشَّعي ففعلت . فلمّا دخلت على عثمان حدَّثته ، وإذا هي من أعلم الناس
بالناس و أعجب بها ، و حدَّثته عن آبائه و أمورهم ففكه لذلك . فقال لها ابن أبي عتيق
: اقرئي للأمير فقرأت له ؛ فقال لها : إحدي له ففعلت ، فكثُر تعجُّبه . فقال : كيف
لو سمعتها في صناعتها ! فلم يزل يُنزله شيئاً شيئاً حتى أمرها بالغِناء . فقال لها
ابن أبي عتيق : غنِّي ، فغنَّتْ :
سددن خصاص الخيم لمَّا
دخلنهُ=بكلّ لبانٍ واضحٍ و جبين
فغنَّته ؛ فقام عثمان
من مجلسه فقعد بين يديها ثم قال : لا والله ما مثلُ هذه تخرج ! قال أبي عتيق : لا يدعُك
الناسُ ، يقولون : أقرَّ سلاّمة و أخرج غيرها . قال : فدعوهم جميعاً ؛ فتركوهم جميعاً
.
المصدر : الأغاني 8/355-356
184. خالد بن عبدالله (القسري)
كان يزيد بن أسد
(جد خالد) خطيب الشيطان وكان أكذب الناس في كل شيء معروف بذلك ، ثم نشأ ابنه عبدالله
(أبو خالد) ففاق الجماعة إلا أن رياسة و سخاءً كانا فيه سترا ذلك من أمره . كان خالد
بن عبدالله من أجبن الناس ، فلما خرج عليه المغيرة عرف ذلك وهو على المنبر ، فدهش و
تحير ، فقال : أطعموني ماءً.
وقال ابن الكلبي
: أول كذبة كذبتها في النسب أن خالد بن عبدالله سألني عن جدته أم كرز ، وكانت أمة بغيّا
لبني أسد ، يقال لها : زرنب . فقلت له : هي زينب بنت عروة بن جديعة بن نصر بن قعين
، فسُرّ بذلك و وصلني .
كانت أم خالد رومية
نصرانية ، فبنى لها كنيسة في ظهر قبلة المسجد الجامع بالكوفة ، فكان إذا أراد المؤذن
في المسجد أن يؤذن ضُرب لها بالناقوس و إذا قام الخطيب على المنبر رفع النصارى أصواتهم
بقراءتهم .
وصعد خالد المنبر
فقال : إلى كم يغلب باطلنا حقكم ، أما آن لربكم أن يغضب لكم ؟ و كان زنديقاً ، أمه
نصرانية ، فكان يولي النصارى و المجوس على المسلمين ، و يأمرهم بامتهانهم و ضربهم
.
وقال المدائني : كان
خالد يقول : لو أمرني أمير المؤمنين نقضت الكعبة حجرا حجراً ، ونقلتها الى الشام .
قال : و دخل عليه
فراس بن جعدة بن هبيرة و بين يديه نبق (كنار) فقال له : العن عليّ بن أبي طالب و لك
بكل نبقة دينار ، ففعل فاعطاه بكل نبقة دينار .
قال المدائني : وكان
له عامل يقال له : خالد بن أمي ، وكان يقول : والله لخالد بن أمي أفضل أمانة من عليّ
بن أبي طالب .
و كان (خالد بن عبدالله)
يسمى زمزم (بئر زمزم) أم الجعلان .
قال أبو عبيدة : خطب
(خالد بن عبدالله) بمكة وقد أخذ بعض التابعين ، فحبسه في دور آل الحضرمي ، فأعظم الناس
ذلك و أنكروه ، فقال : قد بلغني ما أنكرتم من أخذي عدو أميرالمؤمنين ومن حاربه ، والله
لو أمرني أميرالمؤمنين أن أنقض هذه الكعبة حجراً حجراً لنقضتها ، واللهِ لأميرُالمؤمنين
أكرم على الله من أنبيائه (عليهم السلام ، ولعن الله تعالى خالداً و اخزاه) .
المصدر : الأغاني
ج22 – مقتطفات من الصفحات 20-23 .
185. عبدالملك بن مروان يمنع كتابة السيرة
عن عبدالرحمن بن يزيد
قال : قدِم علينا سليمان بن عبدالملك حاجّاً سنة 82 وهو وليّ عهد ، فمرّ بالمدينة ،
فدخل عليه الناس ، فسلّموا عليه . وركب إلى مشاهد النبيّ (ص) التي صلّى فيها ، وحيث
أُصيب أصحابه باُحد ، ومعه أبان بن عثمان وعمرو بن عثمان و أبوبكر بن عبدالله ، فأتوا
به قُباء ، ومسجد الفَضِيخ و مَشْربة أم إبراهيم و اُحد ، وكلّ ذلك يسألهم و يخبرونه
عمّا كان .
ثم أمر أبان بن عثمان
أن يكتب له سيرة النبي (ص) ومغازيه ، فقال أبان : هي عندي ، قد أخذتها مُصحّحة عمّن
أثق به .
فأمر بنسخها ، و ألقى
فيها إلى عشرة من الكتّاب ، فكتبوها في رقٍّ . فلمّا صارت إليه ، فإذا فيها ذكر الأنصار
في العقبتين ، وذكر الأنصار في بدر .
فقال : ما كنت أرى
لهؤلاء القوم هذا الفضل ، فإمّا أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم ، و إمّا أن يكونوا ليس
هكذا .
فقال أبان بن عثمان
أيّها الأمير ، لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم من خذلانه أن نقول بالحقّ : هم
على ما وصفنا لك في كتابنا هذا .
قال : ما حاجتي إلى
أن أنسخ ذاك حتّى أذكره لأميرالمؤمنين ، لعلّه يخالفه . فأمر بذلك الكتاب فَخُرِّق
. وقال : أسأل أمير المؤمنين إذا رجعت فإن يوافقه ، فما أيسر نسخه .
فرجع سليمان بن عبدالملك
، فأخبر عبدالملك بالذي كان من قول أبان ، فقال عبدالملك : وما حجّتك أن تقدم بكتاب
ليس لنا فيه فضل ؟! تُعرِّفُ أهلَ الشام اُموراً لا نريد أن يعرفوها.
قال سليمان : فلذلك
يا أميرالمؤمنين أمرت بتخريق ما كنت نسخته حتّى أستطلع رأي أمير المؤمنين ، فصوّب رأيه.
المصدر : الموفقيات
للزبير بن بكار / 332-333
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق