3-النسخ
((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)) البقرة – 106
النسخ في القرآن ، هو الإزالة و التبديل لحكم ثابت بحكم جديد . والحكم الثابت الأول جاء في القرآن و عمل به المسلمون وهم لا يعلمون أن هذا الحكم سيتبدل ، و لكن الله سبحانه و تعالى يعلم – بدون شك – ذلك ، فهو ينزله بناء على مصلحة الشرع أو للمسلمين في ذلك .. فإذا انتهت هذه المصلحة ، أنزل حكما آخر ، وهو أعلم بما ينزل ، فلم يكن حاشاه على جهل ، بل هو مصدر العلم و خالق العلم ، و محيط بكل شيء .. فهو الذي يقدر الأمور و هو الذي يشرع كما يشاء .
و هذا الفهم ثابت عند جميع المسلمين و مقبول لا يختلف فيه أحد ..نعم عند الكفار لم يكن مفهوماً و لكنهم مع ذلك لم ينسبوا الجهل لله سبحانه و تعالى عن ذلك علوا كبير بل نسبوه الى كذب رسول الله (ص) ، و حاشاه من الكذب .
قال تعالى : ((وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)) النحل -101 .
و إذا كان المر كذلك .. و أن المسلمين جميعهم متفقون على التسليم بوجود النسخ .. و أن مرده مصلحة المسلمين في وقت معين فإذا ارتفعت هذه المصلحة تبدل الحكم .
فكيف تثور الثائرة حول القول بالبداء ؟
و البداء هو أن الله سبحانه و تعالى قد يظهر لعباده أمراً معينا .. ثم بعد فترة يظهر سبحانه و تعالى غير الأمر الأول .. و ذلك واقع كله بعلمه ، شأن ذلك شأن النسخ .
نعم النسخ يكون في الأحكام أما البداء فهو في الأمور الأخرى . و البداء حقيقة هو الإبداء ، مثل العطاء هو الإعطاء .. فالله يبدو منه أي يُظهِر لا يبدو له فهو عالم غير جاهل ، قال الإمام الصادق (ع) : ( من زعم أن الله عزوجل يبدو له في شيء لم يعلمه أمر فابرأوا منه ) .
وربما كان الموضوع الإلهي الذي أبداه للنبي (ع) مشروطا بشرط لم يلتفت له النبي ، كما في قصة نبي طلب من أحد الناس أن يسأل الله كم بقي من عمره ؟
فسأل النبي ربه فأجابه أن بقي من عمره ثلاثة أيام .. فأبلغ العبد بذلك فتوجه لعمل البر و صلة الرحم .. و لم يمت فتعجب و راجع النبي (ع) فراجع ربه فقال إنه تصدق فمددت في عمره 30 عاماً .
إن الله سبحانه و تعالى يعلم ذلك سلفا – وبدون شك فهو علام الغيوب – و لكن أخبر النبي عن العمر الطبيعي بدون الصدقة ، و اندفع العبد ليتصدق فتحقق شرط إطالة العمر .
وكما كان الأمر في ميعاد الله لموسى (ع) حيث كان ثلاثين ليلة والله أعلم بأنه سيتمه بعشر ، و لكن لطلب امتحان بني اسرائيل اخبروا بأنه ثلاثون ليلة .. و جرى امتحانهم بالإتمام العشر فانحرف من انحرف منهم .
إن الإطلاع الأول كان لمصلحة ، و كذلك الحال في الكشف النهائي عن ما هو عند الله سبحانه و تعالى .
فالبداء (أو الإبداء) ملاكه عين ملاك النسخ كشف لأمر ثم تغيير له .. والله عالم بالأمر و بتغييره سلفا ، و ليس هناك أي شبة جهل لله سبحانه و تعالى .
غير أن النسخ واضح للأمة كلها في الكتاب ، وقد يكون في السنة أيضاً ، و لكن البداء (أو الإبداء) هو خاص بمن يطلع على الوحي وهم الأنبياء الذي يبلغون رسالات الله و يبينون آياته .. فقد يذكرون الأمر سلفاً ثم يذكرون خلافه كما هو الحال في ميعاد موسى فيكون كالنسخ تماماً من حيث الاثبات و المحو .. وقد لا يطلعون عليه الأمة و يكون من مختصاتهم . و عليه لا يمكن الإدعاء بحدوث البداء بعد وفاة النبي (ص) لانقطاع الوحي .. وما ورد من روايات و لعله رواية واحدة ( ما بدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل) بشأن اسماعيل بن جعفر الصادق (ع) .. فإن كان المقصود بالبداء موضوع البحث فلايمكن ذلك .. و الرواية حسب سندها محكومة بالضعف فهي لا تصلح للاحتجاج . نعم إذا كان المقصود هو اللطف الخفي بحيث أن الله جعل الأنظار تتجه الى اسماعيل أنه خلف لأبيه في الإمامة لعلمه و جهاده و كونه الإبن الأكبر .. فكانت أنظار الأعداء تتجه إليه .. و بذلك يبقى الإمام موسى الكاظم بعيداً عن عيون الأعداء ، ثم اختار الله اسماعيل الى جواره ، فظهر الإمام الكاظم (ع) أنه الخلف بعيداً عن كيد الأعداء في حياة أبيه .. هذا اللطف الإلهي ربما عبر عنه الإمام الصداق – على فرض صدور الرواية – بالبداء .. أي شبيه بالبداء الذي يُظهر الله سبحانه و تعالى أمراً لمصلحة معينة ثم يظهر خلافه رحمة منه و لطفا بعباده .
و الله سبحانه و تعالى هو العالم بالأمور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق