2- قتل الأنبياء
((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)) البقرة -الآية 61
يقول صاحب مجمع البيان 1/169:
بغير الحق : لا يدل على أنه قد يصح أن يقتل النبيون بحق ، لأن هذا خرج مخرج الصفة لقتلهم ، و أنه لا يكون إلا ظلما بغير حق ، كقوله تعالى : ((وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ)) ومعناه لا يمكن أن يكون عليه برهان . انتهى
ويقول الشيخ محمد جواد مغنية في التفسير الكاشف 1/116 في ذلك :
وبديهة أن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير الحق ، وكأن الله سبحانه و تعالى أراد بذكر القيد التشنيع بهم ، وأن القتل منهم لم يكن عن خطأٍ و اشتباه بل عن إصرار و تعمد الباطل و الضلال . فلا بدع إذا أساء يهود المدينة الى محمد (ص) .. لأنهم امتداد لذلك الأصل و العرق . انتهى
ويقول الطبري في تفسيره جامع البيان 1/365 :
إنهم كانوا يقتلون رسل الله بغير إذن الله لهم بقتلهم منكرين رسالتهم ، جاحدين نبوتهم . انتهى
أقول :
ما ورد في تفسيرهم للآية المباركة مما لا غبار عليه ، فقتل الأنبياء تم بغير حق ، ولا يمكن بأي حال أن يكون قتلهم بحق ، لأنهم سائرون على طريق الله سبحانه و تعالى ، و دعاة إصلاح و خير لأممهم ، وهذا ما لا يختلف عليه أحد ، فكيف يقتلون ؟؟ إن قاتليهم ظلمة معتدون إذ قتلوا هؤلاء الأخيار بدون سبب و بدون أي وجه حق .
ولكن يمكن أن ننظر لقيد – بغير الحق – بمنظار آخر ، و إن كانت النتيجة واحدة . غير أن هذه النظرة لها بعدها القانوني في الشرع الإلهي .
وتتخلص هذه النظرة في أن الجميع خاضعون لحكم الله و شريعته ، ولا فرق في ذلك بين النبي و غيره من أفراد الأمة في التسليم لله و اتباع أوامره و اجتناب نواهيه ، ولو أن هؤلاء الأنبياء قد خالفوا – وإن كان ذلك لا يكون أبداً ولكن الكلام من حيث المبدأ – فإنهم يحاسبون .. غير أن قتلة الأنبياء لم تكن لديهم أية حجة قانونية شرعية ضد الأنبياء فهم يقدمون على قتلهم بدون وجه حق .
وربما يعترض معترض بأن القتلة لا يؤمنون بالقانون الشرعي فكيف يحتج عليهم به ، فيرد عليه بأن معظم أمور هذا القانون هي أمور إنسانية متفق عليها ، كقتل النفس ، و نهب المال أو الأرض وما شابه هذه الأمور .. و هذه يتفق فيها العقل و الشرع و يتوارثها الناس مسلمة عندهم .. ولم يتهم الأنبياء من قِبَل القتلة بأي من هذه الأفعال المشينة .. بل قتلوهم اعتداء و حرباً على حرية الفكر التي ينادي بها الأنبياء لتحريرهم من الكفر و الظلم.
و بالرجوع الى أصل الفكرة و هو خضوع جميع الخلق للحق الإلهي – وهو المقبول بالعقل و الفكر الإنساني في عمومه – نجد أن القرآن الكريم قد أشار إليه : ((وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذَاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)) الإسراء -75 . وما نسب للرسول (ص) : (لو عصيت لهويت).
وما ورد في القرآن الكريم عن قصة الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها ، فأنزل الله به العقاب . و رغم أنه لم يكن نبيا إلا أنه بلا شك كان وليا كما يكشف إيتائه الآيات.
وفي هذه الأمثلة نرى الجزاء الإلهي و لكنه تقدير و ليس فعليا ، لعدم مجانبة الأنبياء للحق .. وقد أصبح هذا الجزاء فعليا في مثال الولي الذي انسلخ من آيات الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق