1- بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ورد عن أئمة أهل البيت (ع) فأجمع على ذلك علماء الإمامية أن البسملة جزءٌ من كل سورة من القرآن الكريم ، ووافقهم على ذلك بعض علماء السنة ، ومنهم الإمام الشافعي ، وخالفهم في ذلك مالك ، و أما أبو حنيفة وأحمد بن حنبل فاعتبروها جزءاً من الفاتحة لامن بقية السور.
والأمر العجيب أن الأئمة – عدا مالك - يقولون بجزئيتها من سورة الفاتحة ، فيكف يجوز للمسلمين حذفها من قراءة الفاتحة في الصلاة ؟ رغم أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، يعني بكل فاتحة الكتاب ، لا بجزء منها ولو كان الجزء كبيراً . وسوف يتبين لنا سبب ذلك في ما يأتي من كلام .
ورد عن طريق الفريقين أنه بعد أن يتم انزال السورة من السماء ، تنزل سورة أخرى مبتدئة بالبسملة ، ويعرف بها بداية السورة ، عدا سورة التوبة ( براءة ) لأنها جاءت بالتبري من المشركين والوعيد لهم ، فلا تبدأ بالرحمة . وفي هذا أورد صاحب كنز العمال عن عسعس بن سلامة قال: قلت لعثمان : يا أمير المؤمنين مابال الأنفال وبراءة ليس بينهما ((بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) ؟ قال كانت تنزل السورة فلا تزال تكتب حتى تنزل ((بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) فإذا جاءت ((بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) كتبت سورة أخرى . فنزلت براءة ولم تكتب ((بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) انتهى .
ومادامت البسملة منزلة من السماء كبداية سورة فلماذا لاتعتبر جزءاً من السورة ؟ ومادام القرآن الذي بين أيدينا وهو القرآن الذي أمر بجمعه الخليفة عثمان ونهى أن يلحق به أي شيء غيره ، و هو الذي وافق عليه الإمام علي (ع) و أبي بن كعب و زيد بن ثابت و آخرون من أجلاء الصحابة الذين لم ينكروا عليه .. و إن كان ابن مسعود احتفظ بنسخته إلا أنهم أجمعوا في كل مصافحهم باثبات البسملة ؛ فكيف يسيغ لنا أن نحذف البسملة أو أن لا نعتبر قرآنيتها ؟
يقول د. صبحي الصالح في كتابه ( مباحث في علوم القرآن ص72 ) : ( وهذا القليل – يعني بذلك ماعناه القاضي أبومحمد بن عطية في ترتيب سور القرآن أن قليلا من اجتهادي – الذي يمكن أن يجري فيه الخلاف يعتمد على حديث ضعيف جداً ، بل هو حديث لا أصل له ، يدور إسناده في كل رواياته على يزيد الفارسي الذي رواه عن ابن عباس – حديث رقم 399 في مسند أحمد – ويزيد (الفارسي) هذا يذكره البخاري في الضعفاء ، فلا يقبل منه مثل هذا الحديث الذي ينفرد به ، وفيه تشكيك في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعي قراءة وسماعاً وكتابة في المصاحف ، وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور ، كأن عثمان كان يثبتها برأيه ، وحاشاه في ذلك ! فلا علينا إذا قلنا : إنه حديث لا أصل له . انتهى.
أخرج الشافعي في المسند ( أنظر ترتيب المسند ص80 ) : أول من أسقط البسملة من السورة بعد الفاتحة هو معاوية ابن أبي سفيان ، فلما تمت الصلاة – التي صلاها بهم في مكة – ناداه المسلمون من كل مكان : يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت ؟ وزاد في كتاب الأم 1/108 أين بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؟ وأين التكبير إذا خفضت وإذا رفعت . كما روى آخرون.
ويوضح لنا ابن حبان سر حذف معاوية للبسملة قال : رُوي عن أنس بن مالك لما سئل كيف يقرأ رسول الله (ص) الفاتحة؟ وماذا يعمل بالبسملة ؟ فأجاب يجهر بها ، وأجاب ثانية : يخفت بها ، وأجاب ثالثة : يحذفها . قال - ابن حبان - إن ذلك تقية من بني أمية الذين يحذفون البسملة خلافاً لعلي الذي يجهر بها . انتهى
وجاء عن الزهري : أول من قرأ ((بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) سرّا بالمدينة عمرو بن سعيد بن العاص ( السنن الكبرى 2/50).
وعلق الفخر الرازي على كلام الزهري : ( قلت : وولي عمرو المدينة في زمن يزيد بن معاوية وتبعه في ذلك ، فلهذا قال يحي بن جعدة : اختلس الشيطان من الأئمة آية البسملة ، يعني بالأئمة : الولاة ). انتهى
أقول :
عمرو بن سعيد بن العاص هذا تأخر عن زمان معاوية ، وسار على نهجه في حذف البسملة أو الإسرار بها .. وعمرو هذا معروف أنه يسب الإمام علي (ع) على المنبر جهاراً حتى أصيب بالتواء في فمه ، فسمي عمرو الأشدق – ذبحه عبدالملك بن مروان نزاعاً على الخلافة – . انتهى
وقال الرازي في التفسير الكبير : 1 / 205 :(وأما أن علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى بعلي ابن ابي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله (ص) : اللهم أدر الحق مع عليً حيث دار). انتهى
وقد أخرج أبن أبي شيبة بإسناده عن أبي هريرة وسعيد بن جبير وعطا وطاووس ومجاهد إنهم يجهرون بـ(بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . وإن ابن الزبير وابن عمر يقرءان بها وأن ابن الزبير يجهر بها ، ويقول مايمنعهم إلا الكبر . وأن عمر جهر بـ(بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) . المصدر : المصنف 1/449 – 450
وأخرج الحاكم النيسابوري في كتابه (شعار أصحاب الحديث) أن (بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) هي جزء من كل سورة ، ووجوب تلاوتها في الصلاة. انتهى
ولا أزيد في الاسترسال في هذا الأمر ، وما أوردناه هنا كافٍ ، و الاستقصاء ليس بالأمر الميسور.
وليس جديداً أن نذكر أن عدد البسملات في القرآن هي بعدد سور القرآن 114 ، ونعلم أن سورة التوبة (براءة) قد خلت من البسملة ولكن البسملة وردت مرتين في سورة النمل ، المرة الأولى في بدايتها والمرة الثانية خلال السورة حيث ورد : (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) النمل -30. والجدير بالذكر أن الرقم 114 يقبل القسمة على 19 ، و أن حروف (بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) 19 حرفا.
وقد ورد عن ابن مسعود أنه قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ (بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فإنها تسعة عشر حرفا ، ليجعل الله كل حرف منها جنة من واحد منهم) تفسير ابن كثير 1/17.
وورد قريباً منه حديث عن الإمام الرضا (ع) .
وهكذا تظهر لنا أهمية أول آية في كتاب الله وعظمتها ، فلا غرو أن نقرأ قول الإمام الصادق (ع) : ( مالهم ؟ - قاتلهم الله - عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق