28 – اعتراف امرأة العزيز
قال تعالى : ((قَالَ
تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ
إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ 47 ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ
شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ
48 ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ
يَعْصِرُونَ 49 وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ
قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي
قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ 50 قَالَ مَا
خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا
عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ
الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ 51 ذَلِكَ
لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ
الْخَائِنِينَ 52 وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ
إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ 53 وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ
الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ 54)) يوسف.
بعد أن رأى الملك
رؤياه للسبع البقرات السمان اللآتي يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات .
وطلب من مفسري الأحلام تفسير رؤياه وعجزهم . تصدى صاحب السجن الناجي لذلك وطلب من الملك
أن يبعثه الى يوسف ليفسر الرؤيا ، فلما ذهب الى يوسف قال له يوسف ((قَالَ
تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ
إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ 47 ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ
شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ
48 ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ
يَعْصِرُونَ 49)).
وفيه تفسير للرؤيا
وخطة عمل لانقاذ الشعب المصري مما يحل به .
فلما وصل الرسول
(السجين السابق) الى الملك وقص عليه الأمر ما كان الملك إلا أن طلب يوسف ((وَقَالَ
الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ 50)) يوسف ، ولكن يوسف قال لمندوب الملك : ((قَالَ
ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ 50)) يوسف. فاستجاب
الملك وأحضر النسوة وسألهن : ((قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ
يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ 51)) يوسف .
فأجبنه ببراءة يوسف
((قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ)) عندئذ اعترفت امرأة العزيز وقالت : ((الآنَ
حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ
الصَّادِقِينَ)) .
ثم استمرت وذكرت أني
اعترف بهذا الان لأني لا أحب أن أخونه بالغيب – أي اتهمه مستغلة غيابه عن هذا المجلس
، والله لا يهدي كيد الخائنين ((ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ
أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ 52)).
ثم كررت اعترافها
مرة أخرى وأنها لا تدافع عن نفسها ولا تبرؤها : ((وَمَا
أُبَرِّئُ نَفْسِي)) فالنفس الإنسانية ((لأَمَّارَةٌ
بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ 53)) يوسف.
هذا الاعتراف كله
حدث ويوسف ما زال بعيداً عن هذا اللقاء والحوار ، وما زال قابعاً في السجن ، وبعدما
سمع الملك براءة يوسف في هذا المجلس ، أدلى بأمره لمن حوله : ((وَقَالَ
الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ 54)) يوسف ، فاحضر
بعد ذلك يوسف وخاطبه الملك : ((إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ
أَمِينٌ 54)) يوسف .
وهكذا يتضح لنا أن
الآية ((لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ)) وما بعدها ((وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ
النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)) هي كلام امرأة العزيز لا يوسف كما ينسبه بعض المفسرين
الذين لم يلتفتوا الى السياق. وكيف غفلوا – لو تركنا السياق الواضح ولا يسعنا أن نتركه
– أن يوسف لا يحمل نفساً أمارة بالسوء بل يحمل نفساً مطمئنة ، وإنما ساقت امرأة العزيز
أنها تحمل نفساً أمارة بالسوء تبريراً لفعلتها ، وضعفها ، بل وكذبها و إجرامها على
يوسف الصديق .. الذي هو من المحسنين باعتراف الآية ((وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 22)) يوسف .
وهذه الأمور بديهية
تعرف من السياق لكل من قرأ الآيات ، وإنما أوردتها هنا للرد على هؤلاء المفسرين ..
لا على الفهم العام الذي يرى بالبداهة أنها في امرأة العزيز.
أما العبارات الإيمانية
الواردة في هذا الاعتراف مثل : ((وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ
الْخَائِنِينَ 52)) يوسف . وكذلك : ((إِنَّ
النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ
رَّحِيمٌ 53)) يوسف. فهي إما جاءت لأن امرأة العزيز مشركة بالله سبحانه
، لا منكرة له بالكلية ، فتعترف أنه رب الأرباب وأنه هو الإله الأعظم وهو المطلع وهو
الغفور الرحيم .
هذا غير غريب ، فإن
القرآن قد أنبأ أن نساء المدينة المدعوات لرؤية يوسف ، لما خرج عليهن قلن : ((حَاشَ
لِلَّهِ)) فهن يؤمن بالله ، بل وبالملائكة أيضاً حيث قلن : ((إِنْ
هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ 31)) يوسف.
أو أن هذا الإيمان
قد جاء من تأثير يوسف عليها خلال حياته معها بحيث أرشدها الى الله الحق فعرفته وإن
لم تكن طائعة له في ذلك الوقت . فلما حانت الحاجة تذكرت ذلك الإيمان وأقرت به عسى أن
ينفعها بعد أن انقضى عزها المادي و المعنوي – والله سبحانه وتعالى العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق