24- صدق الوعد لا الوعيد
قال تعالى : ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ 23)) الأنبياء.
اختلف المفسرون في فهم هذه الآية وطرحت حولها آراء كلامية سنتناولها في نهاية البحث ، ولنبدأ بأقوال المفسرين :
يقول الشيخ محمد جواد مغنية (ره) : (استدل البعض بهذه الآية على أن الله لا يقبح منه شيء ، ولا يجب عليه شيء ، فله أن يعاقب المطيع ، ويثيت العاصي .. وهذا لا يتنافى مع عدل الله وحكمته و رحمته . والصحيح في معنى الآية أن الله سبحانه و تعالى لما كان عادلاً بذاته فلا يجوز أن يعترض على قوله وفعله لأنه لا يقال للعادل : لماذا عدلت ؟ وللصادق لماذا صدقت ؟ ). انتهى .
المصدر : التفسير الكاشف 5/269.
ويورد صاحب الميزان أقوال جماعة من المفسرين : (الله سبحانه و تعالى لما كان حكيما على الإطلاق كما وصف نفسه في مواضع من كلامه ، والحكيم هو الذي لا يفعل فعلاً إلا لمصلحة مرجحة لا جرم لم يكن للسؤال عن فعله معنى بخلاف غيره). ثم يرد عليهم بأن الأقرب – من هذا التعليل – هو : (التمسك بقوله – وهو متصل بالآية - : ((فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ22)) الأنبياء . فإن الآية تثبت له الملك المطلق ، و الملك متبع في أمره لأنه ملك – لذاته – لا لأن فعله أو قوله موافق لمصلحة مرجحة).
و (توجيه الآية بالملك دون الحكمة يكشف عن اتصال الآية ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ 23)) الأنبياء . بما قبلها من قوله : ((فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ22)) الأنبياء . فالعرش كناية عن الملك ، فتتصل الآيتان و يكون قوله ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ 23)) الأنبياء. بالحقيقة برهانا على ملكه كما أن ملكه و عدم مسؤوليته برهان على ربوبيته و برهانا على مملوكيتهم ، كما أن مملوكيتهم و مسؤوليتهم برهان على عدم ربوبيتهم) انتهى.
المصدر : الميزان ج17 – ملخص من الصفحات 268-271 .
وعليه نرى أن من المفسرين من ينظر إلى حكمة الله وعدله في حكمه وقضائه ، أما السيد الطباطبائي فيرى – رغم تسليمه بصحة هذا المعنى – أن ذلك راجع إلى أنه ملك مطلق ، والعباد مملوكون له.
وعلى أي فقد رأى المتكلمون – غير المفسرين – رأيين مهمين ، سيطرا على الفكر ومن ثم العمل في الأمة الاسلامية .
الرأي الأول : عدم صدق الوعد و الوعيد
والمقصود من عدم الصدق هنا : عدم تحققه يوم القيامة ، وعدم التزام الله به . والوعد المقصود هو مجازاة الله بالثواب و النعيم للمؤمن المطيع . والمقصود بالوعيد هو مجازاة العاصي بما توعده الله من العقاب .
وتبرير ذلك أن الله هو الملك المطلق ، المتصرف في عباده كيف شاء ، ولا منّة لأحد عليه ، ولا يمكن الاعتراض على أحكامه ، فهو ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ)) فيمكن أن يدخل المطيعين النار ، ويدخل العصاة الجنة .
وإذا أدخل المطيعين النار فذلك (عدم صدق الوعد) أي خلف الوعد بالنعيم ، وإذا أدخل العصاة الجنة فذلك (عدم صدق الوعيد) أي خلف الوعيد.
ولا يمكن – حسب هذا الرأي – لأحد الاعتراض على ذلك. والقول بخلاف هذا هو إعطاء العباد ، وهم مملوكون لله سبحانه وتعالى ، إعطاؤهم مساءلة الله ، وهو خلاف تصريح الآية .
وهذا القول هو قول الأشاعرة.
الرأي الثاني : صدق الوعد لا الوعيد
وهذا الرأي يقول أن الوعد الإلهي لابد أن يتحقق لطفاً من الله تعالى ، والله سبحانه وتعالى عادل ولا يظلم أحداً ، فإذا جازى المطيع بالنار فقد أخلف وعده والله سبحانه وتعالى لا يفعل ذلك : ((وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ57)) آل عمران . ((وما تفعلوا من خير يوف إليكم وأنتم لاتظلمون272)) البقرة . ((وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ 111)) التوبة . ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ40)) النساء . فهذا الكلام الإلهي لابد أن يتحقق من جهة اللطف ، وإلا اختل النظام ، ولم تكن هناك فائدة لإرسال الأنبياء ، ولا مكان للحساب و الثواب و العقاب.
أما الجانب الآخر وهو الوعيد ، فليس من الضروري أن يتحقق ، فقد يتوب الله على بعض العصاة ، إذا كانت ذنوبهم متعلقة به دون الناس ، ودون الشرك بالله - ويدخلهم الجنة ، فالحق حقه ، كما أنه لا ينافي العدالة أو الصدق ، وهو مقبول عند العقلاء.
ولو ضربنا لصدق الوعد لا الوعيد مثلاً عند الناس ، لقلنا أنه إذا وعد أب إبنه أنه إذا نجح في الدراسة فسوف يعطيه جائزة ، وتوعده أنه إذا لم ينجح فسوف يعاقبه ، فإذا نجح الولد في الدراسة ، فإنه ينتظر من والده الجائزة ، ولابد لأبيه – من جهة الوفاء و الصدق – أن يدفعها إليه ، و إلا فإن تصرفه يكون غير مقبول عند العقلاء.
أما إذا لم ينجح الولد في الدراسة ، ولم يقم الأب بعقابه شفقة عليه ، فلن يعيبه العقلاء ، بل قد يعتبرون عمله مقبولاً لأن العقاب على الإبن من شؤون الأب ، وقد رأى أن يغير ذلك .
هذا الرأي الذي يرى صدق الوعد لا والوعيد هو الذي أخذ به الذين يقولون بعدل الله تعالى فسموا العدلية ، وهم الشيعة و المعتزلة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق