7 – المشاكلة اللفظية
قال تعالى : ((الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ 194)) البقرة .
القرآن الكريم هو كتاب البلاغة ، فبلاغته هي إحدى المعجزات فيه ، أخرس ولا زال يخرس العرب الذين أنزل عليهم ببلاغته بحيث لم يستطيعوا إلا أن يذعنوا إليه ، حتى هجر بعضهم الشعر لما سمع القرآن .. ومن لم يؤمن رماه عناداً بالسحر .. وحتى في هذه الفرية فإن مطلقها على القرآن يعني انبهاره به ، و أنه لا يستطيع أن يجاريه .
وفي هذه الآية وما شابهها – مما سنشير إليه – نرى وجها بلاغياً جميلاً ، يطلق عليه المشاكلة اللفظية .. وهي استعمال لفظ مشاكل للفظ الأول فقط من باب الجمال البلاغي ، وهو – أي اللفظ الثاني – يختلف عن المعنى الذي وضع للفظ الأول .
ففي الآية – موضع البحث – يقول سبحانه و تعالى : ((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ)) فإن اللفظ الأول ((اعْتَدَى)) وضع لمن قام ابتداء بعمل عدواني على آخر . أما اللفظ الثاني ((فَاعْتَدُواْ)) فالمراد منه حقيقة ليس الاعتداء و إنما المجازاة و القصاص على المعتدي . فهنا ليس اعتداء و إنما جيء بنفس لفظ الاعتداء مشاكلة للفظ الأول ((اعْتَدَى)) بينما معناه المجازاة .
ونجد هذا في آيات عديدة من القرآن الكريم مثل :
((نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ 67)) التوبة ، فإن الله سبحانه و تعالى لا ينسى ((لّا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى 52)) طه ، ولكن بما أن المذمومين هنا قد نسوا الله ، بمعنى تركوا أوامره فجازاهم الله بتركهم و اهمالهم ، وجاء ذلك بلفظ ((نَسِيَهُمْ)) .
وفي آية ((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ 30)) الأنفال ، نفس الأمر فإن الله سبحانه و تعالى لا يمكر ، لكن استعمل هنا على سبيل المشاكلة .
و كذلك في الآية ((إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا 15 وَأَكِيدُ كَيْدًا 16)) الطارق ، ونرى ذلك في سورة يوسف ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا 24)) يوسف ، فإن قولنا بتنزيه الأنبياء ، وحسب ما ورد عن أئمة أهل البيت (ع) : أنها همت بالفحشاء و لكنه هم بضربها . فاستعمل القرآن نفس اللفظ من باب المشاكلة ، بعد حذف متعلق الهم في الأول و الثاني .
و نرى ذلك أيضاً مع بعض التأمل في الآية ((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ 126)) النحل ، فإنها نزلت لما روي عن النبي (ص) أنه سيمثل بعدة من المشركين إذا ظفر لأن بعضهم قد مثّل بحمزة سيد الشهداء في أحد .. فنزلت الآية لتقصر جواز المعاقبة بقدرها ، وموضوعنا هو في المشاكلة هو قوله تعالى : ((بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ)) فإن العقاب يأتي جزاء لا ابتداء و ((عُوقِبْتُم)) استعملت في فعل المشركين ابتداء في التمثيل بالشهيد ، فهذا الاستعمال مجاز على سبيل المشاكلة اللفظية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق