10- حول القتل الخطأ
قال تعالى : ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 92)) النساء .
لا يجوز للمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن متعمداً ، وإلا فإن جزاء القاتل هو النار و يخرج من الإيمان . ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا 93)) النساء.
وإنما قد يقع القتل الخطأ من المؤمن لأخيه المؤمن ، وهذا القتل على نوعين :
1- القتل الخطأ المحض :
وهو أن القاتل لم يرد إلحاق أي أذى بالمقتول ، كأن يقود السيارة في كامل الحيطة و الحذر ، ولكن يصدم عابراً فيقتله من دون قصد ، أو كما يحدث كثيراً في البلدان التي تطلق الرصاص الحي في الهواء عند الأفراح فيصاب بعض الحاضرين فيقتلون ، ونحو ذلك .
2- القتل شبه العمد :
وهو أن القاتل يريد أن يلحق الأذى بالمقتول ، ولكن دون حد القتل ، أي لا يريد القاتل أن يصل الأمر الى القتل ، كأن يريد أن يؤدبه بالعصا أو أن ينتصر لصاحبه في العراك فيضرب الآخر ضربة خاطئة فيموت المضروب .
وهذا النوع من القتل يلحق حكما بالقتل الخطأ.
ما هو حكم القتل الخطأ ؟
هناك أحكام مختلفة على القاتل خطأ حسب عقيدة القتيل و موقعه في قومه ، وموقف قومه من المؤمنين ، وهي :
أ- القتيل مؤمن و أهله مؤمنون : قال تعالى : ((وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ 92)) النساء.
فعلى القاتل أن يقوم بتحرير إنسان مؤمن من العبودية كتعويض عن إهلاكه نفساً مؤمنة ، و إنقاص المجتمع ذلك .
وعليه من جانب آخر أن يدفع دية الى أهل القتيل أخذاً بخاطرهم و تعويضاً لهم عن النقص المادي الذي ألحقه بهذه العائلة.
ومقدار هذه الدية ألف دينار (اسلامي) . وقد تكون الدية ما يعادل ذلك من الفضة ، أو مائة من الإبل . و يقدر الشيخ محمد جواد مغنية الدية الآن بـ 3,529 كيلواً من الذهب .
ويمكن أن يتنازل أهل القتيل عن ذلك.
ب- قتل المؤمن و أهله كفار أعداء :
قال تعالى : ((فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ)) .
أي إذا كان القتيل مؤمنا ، ولكن يعيش بين كفار محاربين للاسلام ولا أهل له مؤمنون معه ، فاشتبه القاتل وظن أنه كافر فقتله لسبب ما ، كما حدث في زمن كفر قريش حيث كان الحارث بن يزيد بن نبيشة من بني عامر بن لؤي يعذّب عياش بن أبي ربيعة على إيمانه ، يعاونه في التعذيب أبو جهل . ثم جاء الحارث مهاجراً الى النبي (ص) فلقيه عياش بالحرة ، وهو يحسب أنه ما زال كافراً فعلاه بالسيف فقضى عليه . ثم جاء عياش الى النبي (ص) فأخبره فنزلت الآية .
وهذا يكشف أن القاتل قتل عمداً ، ولكن نُزِّل هذا القتل منزلة القتل الخطأ ، لأن القتيل كان كافراً محارباً و مؤذيا للمسلمين ، ولم يعلم القاتل باسلامه و توبته.
وفي هذه الحالة يتم تحرير رقبة مؤمنة عن القتيل ، ولا تدفع دية الى قومه حتى لا يقووا بها على حرب المسلمين ، هذا مع ما سلف أن ذكرناه بأنه ليس من أهله من آمن معه .
ت- قتل المعاهد
قال تعالى : ((وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً 92)) النساء .
وهذا هو الصنف الثالث من القتلى ، فهذا القتيل هو من قوم بينهم و بين المؤمنين ميثاق و عهد سواء كان هؤلاء من أهل الكتاب أو من غيرهم ، وسواء كان القتيل مؤمنا يعيش بينهم أو ليس بمؤمن .
وهنا نرى أن الميثاق و العهد نزٍّل منزلة الدين ، فعومل هذا القتيل معاملة المؤمن القتيل من الصنف الأول ، فتسلم الدية الى أهله – لأنهم ليسوا محاربين – ولابد من تحرير رقبة مؤمنة.
نلاحظ أن المعاهدين أو ما يسمون بأهل الذمة و التي تطرقت لهم الروايات هم اليهود و النصارى و يلحق بهم المجوس ، ولا غيرهم في ذلك الوقت ، فهل يقتصر الحكم الذي أوردته الآية عليهم أم يشمل غيرهم من اهل الأديان الأخرى بل بالأحرى اللادينيين الذي قد يتم التعاهد معهم في ما بعد ؟ لاسيما و أن الآية تتحدث عن الذين ((بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ)) ولم تقل أهل الكتاب ، فالتركيز هنا على الميثاق لا على الدين ، ونعرف أن أهل مكة المشركين كان بينهم وبين المسلمين ميثاق ((إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ 4)) التوبة .
وعليه فمن المحتمل تعدية الحكم الشرعي في الدية ليشمل كل الذين بينهم و بين المسلمين ميثاق سواء بينهم وبين الحكومات الاسلامية أو أفراد المسلمين وفقا للحديث (يسعى بذمتهم أدناهم) وهذا الأمر من اختصاص الفقهاء للبت فيه .
وفي جميع الحالات الثلاث السابقة إذا تعذر تحرير رقبة مؤمنة – كما هو الحال في عصرنا – فيعوض عن ذلك بصوم شهرين متتابيعن . كل هذا توبة الى الله رجاء غفرانه سبحانه و تعالى .
ما هو دين القتيل بين المعاهدين ؟
وقد اختلفوا في دين القتيل من الصنف الأخير فقال بعضهم إنه مؤمن ، كما يتوهم من السياق لأنه يتناول قتل المؤمن ، إلا أن بعض الروايات تقول أن المعني به المعاهد أو الكافر.
وقد وردت أقوال في كلا الرأيين :
أنه ليس بمؤمن :
كما أورد ذلك الطبري في تفسيره أنه ليس بمؤمن عن ابن عباس و الشعبي و إبراهيم وقتادة و ابن زيد (تفسير الطبري 5/246).
أنه مؤمن :
و أورد أقوالاً أخرى تقول أن القتيل مسلم ، نقل ذلك عن ابراهيم (وهو معارض لما نقل عنه قبلا) وعن جابر و الحسن (تفسير الطبري 5/247).
وقال صاحب مجمع البيان أنه مروي عن أصحابنا إلا أنهم قالوا تعطى ديته ورثته المسلمين دون الكفار (مجمع البيان 3/131).
أقول :
ما أورده صاحب مجمع البيان لا يستقيم في القتل الخطأ من الصنف الثالث ، بل قد يلحق بالصنف الأول ما دام أنه له ورثة مؤمنين ، ولو كان كذلك لما كان هناك فائدة لذكر الميثاق لأن كل مؤمن قتيل أو ميت يرثه بالطبع ورثته المسلمون كما أن الذمي – أي الذي بينه و بين قومه المسلمين ميثاق – منصوص في الروايات على وجوب دفع الدية الى أهله ، ولم يشترط في الروايات اسلامهم ، مما يؤيد أن القتيل المعني في الصنف الثالث هو غير مسلم .
فالإسلام يحترم العهود و يصون النفوس و يلزم بدياتها عند إزهاقها بغير حق لجميع الواقعين تحت سلطته السياسية حتى و إن لم يكونوا داخلين في دينه.
ما هو مقدار دية المعاهد ؟
اختلفت الأقوال في مقدار دية المعاهد :-
أولاً : يرى بعضهم أنها على نصف دية المسلم كما نقل الطبري عن عمر بن شعيب وعن عمر بن عبدالعزيز وقال آخرون أنها على ثلث دية المسلم كما نقل عن أبي عثمان – قاض مرو – وسعيد بن المسيب و قتادة و آخرين ، وأن دية المجوس ثمانمائة درهم (تفسير الطبري 5/252).
ونقل أقوالاً بأن دية المجوسي مساوية لدية اليهودي و النصراني .
ورُوي عن أئمة الهدى (ع) أن دية اليهودي و النصراني و المجوسي هي ثمانمائة درهم – كما ورد في الوسائل : الأحاديث (من2 إلى 11) كتاب الديانات 19/162.
كما ورد في حديث12 مرسلة للصدوق أن الدية لهم هي أربعة آلاف درهم لأنهم أهل الكتاب.
ثانياً : القول الثاني بأن ديته مساوية لدية المسلم .
نقل ذلك الطبري عن ابن مسعود ، و الزهري و الشعبي و إبراهيم و مجاهد و عطاء و عامر (تفسير الطبري 5/251).
وأورد محمد بن الحسن الطوسي باسناده عن سماعة قال : سألت أبا عبدالله عن مسلم قتل ذميا ، فقال : هذا شيء شديد لا يحتمله الناس فليعط أهله دية المسلم حتى ينكل عن قتل أهل السواد ، وعن قتل الذمي .
وباسناده عن أبان بن تغلب عن أبي عبدالله (ع) قال : دية اليهودي و النصراني و المجوس دية المسلم . (الوسائل 19/163).
وقد حمل الصدوق الأحاديث التي تساوي بين المسلم و المعاهد في الدية على المعاهد الذي قام بشرائط الذمة . انتهى .
ويمكن فهم ذلك من حديث الإمام الصادق (ع) : (ومن قتل ذميا ظلما فإنه ليحرم على المسلم أن يقتل ذميا حراما ما آمن بالجزية و أداها ولم يجحدها) . (نفس المصدر 163).
أقول :
هذا الاختلاف في مقدار دية المعاهد ثابت ، ولعل الأمر متروك للقضاة أو مقنني الأحكام الاسلامية ليختاروا المناسب حسب الزمان و المكان و مصلحة الإسلام.
وربما تكون مساواة الدية للضرب على يد المعتدين الذين يسفكون الدم الحرام ، ولا يراعون عهداً ولا ذمة ، كما قال الإمام الصادق (ع) : (لو أن مسلماً غضب على ذمي فأراد أن يقتله و يأخذ أرضه و يؤدي الى أهله ثمانمائة درهم إذاً يكثر القتل في الذميين) نفس المصدر و الحديث . انتهى .
فتكون هذه الدية المتواضعة أساساً للفساد و شيوع الجريمة .
ولعل الحكمة في الدية القليلة المدفوعة الى الذمي هو تشجيع الذميين للدخول في الاسلام ، من جهة ، كما أن المسلم لا اعتبار له عندهم حتى يودى فهو عندهم كافر و مستباح الدم ، ولو لا العهد المبرم بينهم و بين المسلمين لما كانوا يستحقون حسب المعاملة بالمثل أي تعويض . ولو قرأنا ما يقوم به أهل الكتاب من سفك الدم الحرام لهالنا الأمر .. و أعجب من ذلك في التفرقة في التعويض بين القتيل منهم و القتيل من غيرهم ، رغم إدعاء حكوماتهم الحكم بالقانون و مراعاة حقوق الانسان و كمثال فقد عوضت الشركات الأمريكية قتلى انفجار مصنع البطاريات الأمريكي في بوبال في الهند سنة 1985م حيث عوضت أهل كل قتيل دولار واحد فقط .
كما أن الدول الغربية المسيطرة على بلداننا لا تعوض القتلى المدنيين على يديها أي شيء ، و إذا أحسنت إلينا فقد تقتصر على مجرد الاعتذار الفارغ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق