17- تحريم الميتة و الدم ولحم الخنزير
((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 3)) المائدة.
أ- الميتة
الآية الكريمة تبين لنا –فيما تبين – حرمة الميتة ، و الحرمة هنا تشمل كل الانتفاع بالميتة ، و الأكل منها بطريق أولى . واستثني من ذلك في السنة باستعمال مالا تحله الحياة منها كالشعر .
ورد في الكافي 9/259 حديث 7 :
(قلت لأبي عبدالله (ع) : جعلت فداك ، الميتة ينتفع منها بشيء ؟ فقال : لا ، قلت : بلغنا أن رسول الله (ص) مرّ بشاةٍ ميتة فقال : ما كان على أهل هذه الشاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ؟ قال : (يعني الصادق ع) : تلك لا ينتفع بلحمها ، فتركوها حتى ماتت ، فقال رسول الله (ص) : ما كان على أهلها إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أي تُذكى).
إن النهي عن الميتة حكم شرعي ، وأمر تعبدي ..
ومن اللطف الإلهي أن يأتي العلم فيكشف لنا كثيراً من الأضرار التي تسببها الميتة .. حيث أنها تكون سببا لكثير من الأمراض سواء بالأكل المباشر منها ، أو باستعمالاتها المختلفة .
ففي سنة 1983 شاع مرض في المملكة المتحدة (بريطانيا) تضرر منه قرابة مليون إنسان ، وذلك بسبب أكلهم لبيض الدجاج (نصف المسلوق) التي باضته دجاج معلوفة بميتة الدجاج .
وبعد سنوات من ذلك اكتشف الغرب مرض جنون البقر الذي ينتقل الى الانسان ، والذي كان سببه هو إطعام البقر بعلف يحتوي على ميتة الأبقار . وعلى إثر ذلك تم إعدام قطعان كبيرة من الأبقار المصابة .. ومنع استيراد اللحم من البلدان التي أصيبت أبقارها بذلك . كما منع استعمال الصناعات التي تحتوي على مواد بَقَرِّية ، حتى بعض أنواع المكياج . وما أشير إليه هنا هو غيض من فيض مما تسببه الميتة ، والتي تعرضت له الدراسات الخاصة .
ب- الدم
المقصود بالدم هنا ، هو الدم المسفوح ، اي المتدفق والسائل من الذبيحة فهذا الذي يختص بالحرمة ، شرابا ، أو أكلا كما هو عادة بعض العرب خاصة في أيام القحط حيثث يخلطونه بالصوف أو الوبر ويجففونه ثم يأكلونه شواء ويسمى (العهلز).
أما الدم الملتصق بالذبيحة بعد الغسل ، وكذا حال الكبد فغير مشمول بالحرمة .
وغير خفي أن الدم هو مركز الأمراض ، حيث يحتوي على الجراثيم والميكروبات .. بل أن العلم الحديث يعتمد على تحليل الدم في معرفة أمراض الجسم ودرجتها .. مما يعني أنه جامع لهذه الأمراض.
هذا الى جانب أن شرب الدم يولد قساوة القلب لشاربه و تحوّله الى شرس الأخلاق.
ت- لحم الخنزير
لماذا ذكر لحم الخنزير ، ولم تذكر بقية الحيوانات المحرمة وهي كثيرة ؟
قبل الجواب نقول إن لحم الخنزير ثبت ضرره علميا كونه يحتوي على الدودة الشريطية التي تضر بالإنسان ، كما ورد أن أكله يذهب بالغيرة .. وسواء ثبت هذا أو ذاك ، فنحن نتعبد بما أمرنا الله به ونهانا عنه ، وذلك حسبنا.
أما ما يتعلق بذكر لحم الخنزير دون باقي الحيوانات المحرمة ، فلأن ما أبيح لنا هو بهيمة الأنعام ((أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ 1)) المائدة . وعليه فغير بهيمة الأنعام حرام .. فالحيوانات السبعية (آكلة اللحوم) . حرام لأنها خارجة عن بهيمة الأنعام ، طبعاً هناك مستثنيات من حلية بهيمة الأنعام ((إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ 1)) المائدة ، وهي في الغالب بسبب الأوضاع الطارئة على هذه البهيمة من موت أو مرض أو اختناق ونحوها مما تطرقت له الآية الكريمة ، أو السنة المشرفة كالجلال أو الحيوانات الممسوخة .
وحيث أن الخنزير هو من بهيمة الأنعام – عدا البرى منه فهو سبعي مفترس – وبهيمة الأنعام حلال وفق القاعدة العامة التي بينتها الآية ، فورد تحريم لحم الخنزير استثناء من هذه القاعدة.
ث- ما أهل لغير الله به
إن الأرواح كلها ملك لله سبحانه و تعالى – كما بقية الكون – ولا يجوز إزهاق هذه الأرواح إلا بإذنه ووفق دستوره ، فالإنسان محترم ، حرام دمه ، ولكن إذا أزهق روح إنسان آخر وبدون وجه حق يرضاه الله ، وبدون إذن من الله متمثل في ما أوضحه في شرعه ، فإنه حسب دستور الله يقتل : ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا 33)) الإسراء.
وكذا : ((النَّفْسَ بِالنَّفْسِ 45)) المائدة.
والحيوان إذا كان مفترساً ، ويخشى شره فقد أذن الشرع المقدس في قتله ، بل كل حيوان مؤذ (المؤذي قطعاً قتله شرعا).
أما البهائم فهي حسب القاعدة العامة غير مؤذية ، وعليه لا يجوز إزهاق أرواحها إلا للانتفاع بها ، أما القتل العبثي لها فحرام . وما دام المالك هو الله فيجب استئذان الله – لا غيره – في ذبحها ، فلو استئذن غيره – وهو معنى أهل به لغير الله – فإن الذبيحة تكون حراما . يقول تعالى في آية اخرى : ((وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ 121)) الأنعام.
فلابد من ذكر اسم الله عند الذبح ، وهذا يعني الاستئذان منه سبحانه وتعالى .. وإذا لم يتم الاستئذان ، فإنه اعتداء على هذه الروح وهو من الفسق ، ومن الكبائر.
ويوضح القرآن ما سيقوم به المعترضون ، الذين لا يذكرون اسم الله ، ويقولون ما الفرق بين الذبيحتين ، فيصف كلامهم ذلك بأنه جدال من وحي الشياطين ، لا يجوز أن نستمع إليه أو أن نطيعه .
وربما يتأول البعض بأنه يكفي التسمية على اللحم غير المذكى – غير المذكور اسم الله عليه عند الذبح – فيسمون عليه عند الأكل .. وهذا مخالف لصريح الآيات . فإذا كان المقصود التسمية عند الأكل ، فيعني ذلك وجوب التسمية على كل أكل لحم او غيره وهذا غير وارد إلا من باب الاستحباب لا الوجوب . وإلزام التسمية على الذبح فيه الاستئذان واضح ، أو ما يسمى الاهلال باسم الله ، أما إذا تخلف أثناء الذبح فلا معنى أصلاً للإهلال باسم الله .. وما كان حراماً لا يتحول إلى حلال بالتسمية في ما بعد فلا يمكن تدراك ما فات .
سأل الحسن بن المنذر أبا عبدالله (ع) أن الرجل يبعث في غنمه رجلاً أمينا يكون فيها ، نصرانيا أو يهوديا ، فتقع العارضة فيذبحها ويبيعها ؟ فقال ابو عبدالله (ع) : لا تأكلها ولا تدخلها في مالك ، فإنما هو الاسم ولا يؤمن عليه إلا المسلم ، فقال الرجل لأبي عبدالله وأنا أسمع : فأين قول الله : ((وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ 5)) المائدة ؟ فقال : أبو عبدالله (ع) : كان ابي يقول : إنما ذلك الحبوب و أشباهه.
أقول : الرواية صريحة في تفسير التسمية عند الذبح من قبل المسلم .. وليس أثناء الأكل ولو كان ذلك لما اعترض الإمام على ذلك .
ج- وأن تستقسموا بالأزلام
الاقتسام بالازلام هو نوع من القمار كان يستعمل في الجاهلية ، وقد نهى عنه الإسلام .. والمقصود به هنا هو الاقتسام دون غيره من استخدامات الأزلام .. فالآية لم تتطرق إليه هنا .
والأزلام أو قداح الميسر (القمار) جمع قِدْح او سهم أو زلم أو قلم كلها بمعنى واحد ، وهي عبارة عن عيدان خشبية تملس وتجعل سواء في الطول و يخالف بينها في الأشكال . وهي عبارة عن عشرة قداح.
1- قداح الحظ : وهي الفذ ، والتوءم ، والرقيب ، والحلس والنافس و المسبل و المعلّى.
2- القداح التي لا حظ لها : وهي الوغد ، والسفيح ، والمنيح .. وهذه مثل السابقة تماماً إلا أنها خالية من العلامات وتسمى الأغفال .
كيفية الاقتسام بها :
تنخر الجزور (الناقة) وتوزع إلى إلى 28 جزءاً متساوياً من اللحم .. وقيل بعد أن يأخذ من يقوم بالنحر وتوزيع اللحم يأخذ الرقبة و الأرجل.
ثم تجرى القرعة على القداح العشرة ، لكل رجل قدح حسب الأنصبة التالية :
قدح الفذ : له جزء واحد من اللحم .
قدح التوءم : له جزآن.
قدح الرقيب : له 3 أجزاء.
قدح الحلس : له 4 أجزاء.
قدح النافس : له 5 أجزاء.
قدح المسبل : له 6 أجزاء.
قدح المُعلّى : له 7 أجزاء.
المجموع : 28 جزءاً ، وهو تمام اللحم
قدح الوغد = صفر من اللحم.
قدح السفيح = صفر من اللحم
قدح المنيح = صفر من اللحم
ويقوم الذين خسروا المقامرة وهم أصحاب الأقداح الثلاثة الخاسرة بدفع ثمن الجزور كاملاً في قبال لا شيء ، بينما يستحوذ أصحاب القداح السبعة الفائزة على اللحم دون مقابل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق